العمل الطلابي المبكر- تأهيل وإصرار في المدارس الفرنسية

لقد استبدت بي الغرابة حينما سمعت حفيدي الغالي سالم يتحدث مع والديه عن رغبته الملحة في إيجاد وظيفة، وقبل أن أفيق من عجبى من هذا الطلب، خاصة وأنه لا يزال يافعًا يدرس في الصف الثالث المتوسط، وكان الأجدر به أن يركز جهوده واهتمامه على دروسه وأداء واجباته المدرسية على أكمل وجه، بادرتني ابنتي بالحديث عن أن العمل لمدة أسبوع كامل هو أحد الشروط الأساسية لاجتياز المرحلة المتوسطة في المدارس الفرنسية، يتبعه أسبوع مماثل في المرحلة الثانوية، وبناءً على ذلك، يصبح من الضروري على كل طالب وطالبة أن يعثروا على فرصة عمل بموجب عقد رسمي يتقاضون عليه أجرًا محددًا، ثم يقدمون نسخة من هذا العقد إلى المدرسة ليصبح عملهم جزءًا لا يتجزأ من تقييمهم الدراسي، والأهم هنا ليس طبيعة العمل ذاتها، فغالبًا ما ينخرط الطلاب والطالبات في أعمال بسيطة مثل العمل كنادل في مقهى شعبي، أو غسل الأطباق في مطعم متواضع، أو بيع الخضار في سوق مزدحم، أو توزيع الإعلانات في الشوارع، أو أي عمل آخر يتمكنون من الحصول عليه، بغض النظر عن الاقتراحات التي تقدمها المدرسة بشأن محاولة إيجاد عمل يتناسب مع تطلعاتهم وطموحاتهم المستقبلية.

عندما استوعبت الأمر، أدركت حينها الكيفية التي يتم بها تأهيل الطلاب والطالبات لخوض معترك سوق العمل في سن مبكرة، بدءًا من المعاناة في البحث المضني عن العمل المناسب، وانتهاءً بتقبل الوظائف المتاحة مهما كانت، وكيف يخرج الطلاب والطالبات من كنف الدلال والراحة في المدرسة إلى قسوة غسل الأطباق وتقديم فناجين القهوة الساخنة والتعامل مع الزبائن المختلفين والركض في الشوارع لإنجاز المهام المطلوبة منهم، وكيف يرسخ فيهم احترام قيمة العمل والعاملين فيه، فلا يتملكهم الغرور ولا يمسهم الكبرياء الذي قد يجعلهم يتعالون على العمال يوم يتخرجون من الجامعات المرموقة ويتبوؤون مناصب رفيعة، ذلك أنهم هم أنفسهم كانوا في يوم من الأيام عمالاً عاديين وجربوا بأنفسهم معنى أن يحترمهم الآخرون وتجرعوا مرارة أن يتعرض لهم أحد بالاحتقار والازدراء.

سألت سالم الصغير بفضول: وماذا لو لم يتمكن التلميذ من العثور على فرصة عمل؟ هز كتفيه الصغيرتين بعفوية وهو يرد ببساطة: كيف يعني ما يلاقي فرصة عمل؟ لازم يلاقي. وعندها تأكدت أنهم يعلمونهم معنى الإرادة الصلبة والعزيمة القوية والإصرار على تحقيق الهدف مهما كانت الصعاب.